شهد عام 2010 ظهور اول تشريع داخل الولايات المتحدة الامريكية ويسمى قانون الامتثال للضريبة على الحسابات الخارجية الأمريكية “فاتكا FATCA ” والذي يهدف لتتبع الحسابات المصرفية والاستثمارات غير الأمريكية (التي تعود ملكيتها لأشخاص او شركات امريكية) خارج حدود الولايات المتحدة الامريكية وذلك من أجل التأكد من سدادها الضرائب الواجبة عليها.
ولتنفيذ هذا التشريع فقد استلزم من حكومة الولايات المتحدة الامريكية الدخول في اتفاقيات مع حكومات دول العالم من اجل تنفيذ هذا التشريع. وقد وقعت بالفعل حكومة الولايات المتحدة الامريكية اتفاقيات مع 113 دولة حول العالم من ضمنها دولة الكويت.
في ضوء الاتفاقية التي تم توقيعها بين حكومة دولة الكويت وحكومة الولايات المتحدة الأمريكية بتاريخ 29 أبريل 2015 لتحسين الامتثال الضريبي الدولي وتطبيق قانون الامتثال الضريبي الأمريكي (فاتكا)، فقد أصدرت وزارة المالية القرار الوزاري رقم 48 لسنة 2015 بتاريخ 3 سبتمبر 2015 بشأن التعليمات الاسترشادية الأولية لتطبيق متطلبات قانون الفاتكا في دولة الكويت.
وبموجب هذا القرار، يتعين على جميع المؤسسات المالية العاملة في دولة الكويت بذل العناية اللازمة وذلك بمراجعة وتحديد الحسابات المالية التي تؤول إلى أشخاص أمريكيين والقيام بعد ذلك بنقل المعلومات المتعلقة بتلك الحسابات إلى وزارة المالية – الكويت والتي تقوم بدورها بنقل المعلومات إلى دائرة الإيرادات الامريكية (Internal Revenue Service – IRS).
منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تتبنى اتفاق للتبادل التلقائي لمعلومات الحسابات المالية لأغراض الضريبة
وفي إطار آخر فإن عام 2014 قد شهد إصدار معيار التبادل التلقائي للمعلومات المالية الذي تم وضعه من قبل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بتكليف من مجموعة العشرين، ويمثل الإجماع الدولي حول التبادل التلقائي لمعلومات الحسابات المالية لأغراض الضريبة، ويمكن الدول الملتزمة بتطبيق المعيار من تحديد مواطنيها وشركاتها خارج حدودها بما يمكنها من تحصيل الضرائب الواجبة عليها. وبتاريخ 9 مايو 2016 أعلنت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بأن نحو 101 دولة وقعت على الالتزام بمعيار تبادل المعلومات المالية تلقائياً لمواجهة التهرب الضريبي. وتوقعت المنظمة التي تتخذ من باريس مقراً، بدء تبادل هذه المعلومات في سبتمبر 2018.
والجدير بالذكر أن 55 دولة أعلنت التطبيق المبكر للمعيار اي بنهاية عام 2017، بينما أعلنت 46 دولة التطبيق في عام 2018 من ضمنها المملكة العربية السعودية ودولة الكويت والامارات العربية المتحدة وقطر ومملكة البحرين ولبنان.
ضغوط الأزمة المالية العالمية
تحت ضغط الأزمة المالية العالمية عام 2009 اكتسبت مساعي مكافحة التهرب الضريبي وإيجاد قواعد مشتركة، دفعا وقوة. حيث كانت المصارف العامة والبنوك المركزية بحاجة إلى أموال، بعد ازدياد أعبائها بشكل كبير نتيجة التكاليف العالية لبرامج إنقاذ المصارف التي كانت على حافة الإفلاس والانهيار. ومع تهديد الاتحاد الأوروبي بإصدار قائمة سوداء للدول غير المتعاونة، اضطرت الدول الأوروبية التي تعد بمثابة ملاذات ضريبية مثل أندورا وليشتنشتاين وموناكو، التخقيف من السرية الصارمة لدى مصارفها.
نهاية السرية المصرفية؟
في التاسع والعشرين من اكتوبر عام 2014 تخلت 51 دولة عن السرية المصرفية بتوقيعها على اتفاقية بذلك الشأن تسمى اتفاقية الجهة المختصة متعددة الأطراف (Multilateral Competent Authority Agreement) وفق معايير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، غير أن حوالي 100 دولة لم توقع على تلك الاتفاقية، لكنها أعلنت عن تأييدها ودعمها للإجراءات التي نصت عليها الاتفاقية. وتجدر الإشارة إلى أن سويسرا وليشتنشتاين وسنغافورة ودول الكاريبي، كانت ضمن الدول الموقعة على الاتفاقية، والتي تعتبر من المراكز المالية المهمة وينظر إليها كملاذات ضريبية ومواطن شركات “العنوان البريدي”.
أما بنما فإنها مثل الولايات المتحدة لم تقبل تماما بمعايير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حيث أن بنما موطن الكثير من شركات “العنوان البريدي” مثل بعض الولايات الأمريكية ومنها ولاية نيفادا. فبموجب الاتفاقية، التزمت الدول الموقعة بتبادل المعلومات والبيانات حول الأشخاص العاديين أصحاب الحسابات المصرفية في غير دولهم. فمن خلال التبادل التلقائي للمعلومات والبيانات تسهل عملية مراقبة التدفقات المالية إلى الخارج والحد من عمليات الاحتيال والتهرب الضريبي.
وبموجب هذه الاتفاقية يجب على المصارف والمؤسسات المالية أن تزود الدوائر الرسمية في بلدانها بالمعلومات التي لديها حول الفوائد والأرباح والأرصدة والإيرادات التي يتم تحقيقها من بيع الأصول المالية، وذلك عندما يكون المستفيد من ذلك مقيما خارج دولته. كما أن الاتفاقية نظمت أصول وقواعد تبادل المعلومات وحقوق وواجبات كل طرف. ولكن هذه القواعد الجديدة التي تضمنتها الاتفاقية، تسري على الحسابات المصرفية التي يتم فتحها بدءا من عام 2016. وبدءا من سبتمبر 2017 يمكن للدول تبادل المعلومات فيما بينها.
سد الثغرات الضريبية
في هذه الأثناء تم وضع خطة عمل من قبل الدول الصناعية الكبيرة، لسد الثغرات الضريبية التي تستفيد منها الشركات العملاقة المتعددة الجنسيات أو العابرة للقارات مثل غوغل وأمازون وغيرها من الشركات الكبرى في العالم.
في قمة الدول الـ 20 التي عقدت في مدينة انطاليا التركية العام الماضي بمشاركة الدول الصناعية الكبرى والدول الناهضة، تم إقرار خطة عمل للتصدي لعمليات التهرب الضريبي وسد الثغرات التي تستفيد منها الشركات المتعددة الجنسيات. وذلك بأن يتم كل عام إعداد تقرير ضريبي للشركة اعتمادا على تقارير فروعها في مختلف الدول من قبل الإدارة العليا للشركة في الدولة التي يوجد فيها مقرها الرئيسي، حيث يمكن الاطلاع على هذا التقرير بشكل تلقائي بين الدوائر الضريبية في الدول المعنية ولكن دون السماح بنشره. أما الشركات الملزمة بإعداد مثل هذا التقرير، فهي تلك التي لها فروع في دول أخرى ويتجاوز حجم أعمالها السنوي 750 مليون يوورو.
تبعات تنامي الاتفاقيات الدولية لتبادل المعلومات المالية
في ضوء تنامي طلبات المعلومات المالية الضريبية على المؤسسات المالية، فإنه سيصبح لزاماً على المؤسسات المالية استحداث منصب مسئول الضرائب ضمن هيكلها التنظيمي وذلك لضمان إدارة المتطلبات الضريبية بكفاءة وفاعلية، والتي تعني استحداث نظم داخلية تتيح الاستجابة وفق أطر زمنية وإنشاء قواعد معلومات آلية آمنة.