أهمية البصيرة في التدقيق الداخلي
يتضمن الإطار الدولي للممارسات المهنية (The International Professional Practices Framework (IPPF)) حالياً بيان المهمة الذي يبين دور التدقيق الداخلي في “تعزيز القيمة المؤسسية وحمايتها عن طريق تقديم التأكيد والمشورة والبصيرة القائمة على مراعاة المخاطر”.
وتعتمد البصيرة القائمة على مراعاة المخاطر على مبدأ هام ويسمى البصيرة المهنية
(Professional Skepticism).
تعريف البصيرة المهنية
تعرف البصيرة المهنية حسب معايير التدقيق الدولية على أنها “موقف يتضمن عقلا متسائلا وتقييما ناقدا لأدلة التدقيق، كما تتطلب البصيرة المهنية تساؤلا مستمرا عما إذا كانت المعلومات وأدلة التدقيق التى تم الحصول عليها توحى بانه قد توجد أخطاء جوهرية بسبب الاحتيال”، وبمعنى آخر يقصد بها أن يُجري المدقق تقييما مهنيا بعقلٍ متبصر بمدى كفاية وملاءمة الأدلة التي يتم الحصول عليها طوال مهمة التدقيق. إن مفهوم “البصيرة المهنية” يعزز مفهوم “العناية المهنية اللازمة” والوارد في معايير التدقيق الدولية.
وتعد البصيرة المهنية ضرورية للتقييم الناقد للأدلة. ويشمل ذلك التبصر والتعمق في الأدلة المتعارضة وغير المتسقة ومصداقية المستندات والردود على الاستفسارات. كما يتضمن دراسة مدى كفاية وملاءمة الأدلة التي تم الحصول عليها في ضوء الظروف السائدة. وبناءً عليه، تشير البصيرة المهنية إلى بعض الطرق التي يستطيع من خلالها المدققون الداخليون التمتع بقدر أكبر من البصيرة.
علاقة البصيرة المهنية بالمعايير الدولية
البصيرة المهنية تمثل أحد المتطلبات الأساسية للقيام بأعمال التدقيق، وقد تناولتها العديد من المعايير الدولية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
- معايير التدقيق الدولية (International Standards on Auditing)، حيث نص بالمعيـار الدولي للتدقيق 200 (ISA 200) “الهدف والمبادئ العامة التي تحكم تدقيق البيانات المالية”، على وجوب تخطيط وتنفيذ عملية التدقيق بأسلوب البصيرة المهنية متضمنا كافة مراحل التدقيق وتشمل ما يلي:
- خلال مراحل قبول المهمة (When assessing engagement acceptance)
- أثناء تقييم المخاطر لتنفيذ المهمة (When performing risk assessment procedures)
- أثناء تنفيذ مهمة التدقيق (When obtaining audit evidence)
- أثناء تقييم الأدلة وأوراق العمل الخاصة بالتدقيق (When evaluating evidence)
- المعيار الدولي رقم IASE3000 بشأن المهام المتعلقة بالمعلومات غير المالية، الصادر من قبل الاتحاد الدولي للمحاسبين (IFAC). ويسري على أعمال التدقيق على الرقابة الداخلية والاستدامة والالتزام بالقوانين والأنظمة. وتتضمن البصيرة المهنية أن يكون المدقق متيقظاً لما يلي:
- ادلة التدقيق التي تتعارض مع ادلة اخرى التي تم الحصول عليها.
- المعلومات التي تؤدي الى التساؤل حول مدى موثوقية الوثائق واجراءات الاستجابة للاستفسارات التي سيتم استخدامها كأدلة تدقيق.
- الحالات التي قد تدل على وجود احتيال محتمل .
عناصر البصيرة المهنية
وتتكون البصيرة المهنية من ثلاثة عناصر رئيسية طبقا للشكل التالي:
- وتمثل الصفات: سمات المدقق من حيث المعارف والمهارات والقدراات
- وتمثل الاجراءات: الأدوات والمنهجيات التى يستخدمها المدقق لممارسة البصيرة المهنية ومنها منهجية تقييم المخاطر، نوعية أدلة التدقيق، منهجية التحليل والتقييم للبيانات والمستندات وغيرها
- وتمثل العقلية: سمات المدقق النفسية والتى تتطلب الحيادية والصدق والاستقلالية خلال ممارسته للبصيرة المهنية
تطبيقات البصيرة المهنية
ويوضح الشكل التالي مستويات تطبيق البصيرة المهنية وتأثيرها على جودة أدلة التدقيق
كيف يتمتع المدقق الداخلي بقدر أكبر من البصيرة؟
أن تصبح مدققاً داخلياً يتمتع بالكفاءة والبصيرة هو أمر لا يحدث مصادفةً وينبغي على المدقق الداخلي التفكير في بعض الخصائص والعادات التي يجب أن يتصف بها المدققون الداخليون الذين عملت معهم والتأمل فيما يمكنهم من تحقيق النجاح.
بالإضافة إلى ذلك، ينبغي على المدقق الداخلي التفكير في تطبيق كافة المقترحات التالية أو بعضها:
تطوير معرفتك بكيان الأعمال والقطاع الذي تعمل فيه
يجب على المدقق الداخلي الإلمام بالأهداف الاستراتيجية لكيان الأعمال ومبادرات التغيير الجوهرية والمخاطر الرئيسية التي يتعرض لها، وذلك من خلال دراسة خطط العمل والتقارير السنوية والنشرات الإخبارية ومذكرات الإحاطة وغيرها من المستندات.
ويتعين النظر خارج إطار كيان الأعمال ومتابعة ما يحدث في السوق، وأنشطة الشركات المنافسة، والمسائل التي تثيرها الحكومة والجهات الرقابية وتأثير التكنولوجيا. يجب أن يتضمن هذا مراجعة المواقع الالكترونية ذات الصلة والاستعانة بمواقع التواصل الاجتماعي.
التحدث إلى مزيد من الأفراد، من داخل كيان الأعمال وخارجه
ينبغي البدء بكل ما يهم الإدارة وتحديد الإيجابيات. يجب الاعتراف بإنجازات النجاح والأمور التي تسير بصورة طيبة في تقارير التدقيق حتى يمكن تقديرها، وتزكيتها والتوصية بها لدى الأقسام الأخرى بالمؤسسة.
يجب اكتساب فهم أفضل للمخاطر التي تواجه المديرين التنفيذيين من خلال الشبكات الداخلية والاجتماعات الروتينية. ينبغي القيام بذلك بطريقة غير رسمية، وعلى وجه الخصوص بالنسبة للمجالات والموضوعات التي تظهر بانتظام في خطة التدقيق الداخلي، ولكن ينبغي أيضاً النظر في فرص ذات صبغة رسمية مثل حضور اجتماعات فرق العمل وفعاليات التدريب والمشاركة في برامج التغيير. يتعين العمل بالاشتراك مع جهات تقديم التأكيد الأخرى أو طلب الدعم والمشورة من الخبراء من داخل كيان الأعمال.
الإلمام بالمستجدات التي تحدث في المهنة
ليس فقط من حيث الإطار الدولي للممارسة المهنية بل أيضاً من خلال الإرشاد والتوجيه العملي وفعاليات التعلم والندوات والمؤتمرات. على المدقق الداخلي الالتحاق بمجموعة تدقيق على قطاع معين والمحافظة على التواصل المنتظم مع المدققين الآخرين العاملين في القطاع الذي يتبعه. وبما أن الموارد محدودة بصورة متزايدة، يجب على المدقق الداخلي أن يفكر بطريقة نقدية أكبر بشأن كيفية حصوله على أفضل النتائج من عملية التقييم والتطوير المهني المستمر بهدف سد الثغرات فيما لديه من معرفة وتطوير المهارات التخصصية.
تحديد مدير أول لديه الرغبة في أن يكون موجهاً وراعياَ
الموجه هو شخص يقدم الدعم الدائم ولديه رغبة في مواجهة التحديات ويستطيع المدقق الداخلي مشاركة المشكلات والأفكار معه، ويفضل أن تكون لديه خبرة في التدريب والتوجيه. وليس من المطلوب أن يكون هذا الشخص بالضرورة مدقق داخلي أول أو مدير أول يكون على تواصل منتظم معه، بل ربما من الأفضل أن يكون شخصاً لا يعمل معه أو يدقق عليه.
تغيير رؤيتك أو نظرتك للأمور
على المدقق الداخلي النظر إلى الأشياء بطريقة مختلفة، وعلى المدقق الداخلي وضع نفسه مكان العميل أو المورد أو الجهة الرقابية، والتفكير في الطريقة التي يتوقع أن تسير بها الإجراءات ونوعية السلوكيات التي يتوقع أن يمر بها. هل يلتزم كيان الأعمال بقيمه ويحترمها؟
إيجاد مصادر موازية
يجب على المدقق الداخلي ربط ما يراه ويسمعه أثناء التدقيق ومقارنة ذلك بمواقف مماثلة. وعلى سبيل المثال، على المدقق الداخلي التأمل في الإيجابيات والسلبيات التي تنطوي عليها منهجية كيان الأعمال في التعامل مع شكاوى العملاء ومقارنة ذلك بكيانات الأعمال الأخرى التي تعامل معها (المقارنة المعيارية). كما يمكن اكتساب البصيرة من مصادر موازية أكثر بعداً.
توجيه مزيد من الأسئلة
سوف يساعد هذا الأسلوب في اكتساب الإدراك الكامل لكيفية وأسباب أداء المهام بطريقة معينة. ينبغي على المدقق الداخلي توجيه أسئلة بسيطة وسهلة (خالية من المحتوى) من شأنها تشجيع الأفراد على التعبير عن رؤيتهم للعالم وعدم فرض وجهة نظره عليهم. كما أنه من المهم جداً الاستماع إلى الأفراد الآخرين، الاستماع فعلاً – ويجب تذكر أن أصل كلمة تدقيق مشتق من الكلمة اللاتينية التي تعني “الشخص الذي ينصت”.
ولغرض الاستقصاء والبحث بصورة أكثر تعمقاً في مسائل بعينها، على المدقق الداخلي تطبيق طريقة بسيطة يشعر بالارتياح لها على أن تفي بالغرض. ينبغي على المدقق الداخلي التفكير في الاستعانة بأسلوب الأسئلة الستة المفيدة وهي ماذا ولماذا ومتى كيف وأين ومن، أو أسلوب رفع خمس أسئلة تبدأ بكلمة لماذا، حيث أنها سوف تساعده في تحديد الأسباب والآثار، وبعضها سوف يرتبط بالمواقف والسلوكيات التي تبرز الثقافة السائدة في هذا المجال.
عدم اعتبار الأمور بديهية أو مسلّماً بها
إن مناقشة كيفية سير الإجراءات والتحدث عما ينشأ من مخاطر ومشكلات مع مختلف الأفراد يعد طريقة جيدة للحصول على مجموعة متنوعة من الآراء، ولكن عدم قبول كل شيء دون تمحيص. ينبغي على المدقق الداخلي تركيز اختبار التدقيق بهدف إقامة الدليل على ما يحدث فعلياً وعلى الأخص ما يتعلق بإدارة المخاطر الرئيسية أو في حالة وجود اختلاف في الآراء بشأن ما يحدث وأسبابه. يجب تكوين الأدلة وكذلك نتائج المقابلات والمناقشات بهدف دعم توصيات التدقيق.
تحديد الاتجاهات والعلاقات
ينبغي على المدقق الداخلي استخدام برمجيات التدقيق وأدوات إعداد التقارير التي تمكنه من إجراء التحليل الإحصائي للكشف عن المشكلات التي قد لا يكون الأفراد على دراية بها.
وفي المعتاد تتم الاستعانة بذلك لتحديد الفجوات أو التكرار في السجلات. ومع ذلك، فإن وجود كميات هائلة من البيانات والأدوات التحليلية القوية حالياً يوفر إمكانية للتنقيب في البيانات وتقييم النتائج من زوايا ورؤى مختلفة لوضع علاقات وأنماط وارتباطات جديدة. إن هذا المجال فني للغاية ولكن ظهور بيانات ضخمة يتيح المجال للمدققين الداخليين لتطوير مهارات معينة و/ أو العمل مع خبراء تكنولوجيا المعلومات للوصول إلى البصيرة.
تغيير الطريقة التي يتم بها إبلاغ الرسالة
ينبغي على المدقق الداخلي النظر بصورة نقدية إلى تقارير التدقيق الداخلي للتأكد من أن هيكل التقرير واللغة المكتوب بها تساعد في توصيل الرسائل والآراء الرئيسية.
هل التقارير قصيرة وواضحة وتركز على الموضوع؟ على المدقق الداخلي النظر فيما يريد مستخدمو تقرير التدقيق الداخلي أن يعرفوا أنهم ربما لا يلمون به، وما دلالة ذلك، وما يجب عليهم القيام به للحد من المخاطر.